تفضل العديد من العائلات في القدس ومدن الداخل الفلسطيني ترك منازلهم في شهر رمضان، والذهاب إلى ساحات المسجد الاقصى يوميًّا عند موعد الإفطار، لنيل أجر الصيام والرباط في المسجد الأقصى.
وتتوزع عشرات العائلات في ساحات المسجد الأقصى ومعهم كبار السن والأطفال في مجموعات، وتكون مائدة الطعام متنوعة الأطعمة مع مشروبات باردة.
المصور الصحفي خالد زغاري ابن مدينة القدس ومصورها منذ أكثر من عشرين عامًا يقول لـ”فلسطين”: “هذا التقليد موجود في مدينة القدس، وزاد في المدة الأخيرة مع ازدياد الخطر على المسجد الأقصى، ويحاول الجنود على أبواب المسجد الأقصى اعتراض العائلات التي تكون معها موائد الطعام في طناجر كبيرة، لكن إصرار العائلات يجبر جنود الاحتلال على التنحي جانبًا”.
ويصف المصور زغاري الأجواء الرمضانية وقت المساء في ساحات المسجد الأقصى والعائلات تتوزع في كل زوايا المسجد قائلًا: “يتحلقون حول موائد الطعام، ويتبادلون فيما بينهم الأصناف المختلفة، فهذه العائلة تأتي عائلة أخرى تهدي إليها بعض أنواع الأطعمة والمشروبات، وتقابلها العائلة بهدية أخرى، فكل مظاهر التكافل تتجلى في تلك اللحظة، وبعد انتهاء الإفطار تجد العائلات تقوم بعملية التنظيف الجماعية للحفاظ على نظافة المسجد، ولا ينتظرون عمال النظافة حتى يقوموا بعملية التنظيف، وهذا يسجل لتلك العائلات التي يشارك في هذه اللفتة الصغير والكبير فيها”.
د. ناجح بكيرات رئيس أكاديمية القرآن في المسجد الأقصى يصف إفطار العائلات المقدسية وفلسطينيي الداخل برباط من نوع جديد.
ويقول لـ”فلسطين”: “هذا النوع من الرباط يشارك فيه كل الفئات العمرية، والمكان الذي تأكل فيه الطعام تتكون معه علاقة أخرى من ذكريات تحفر في الذاكرة، والاحتلال يسعى إلى شطب العلاقة المتينة بين الفلسطيني المسلم والمسجد الاقصى “، لافتًا إلى أنهم يجن جنونهم عندما يشاهدون اطفالًا في الأسابيع الأولى من حياتهم، وكبار سن في الثمانين يأتون من مسافات بعيدة كي يفطروا على أرض المسجد الأقصى.
ويضيف: “فالاحتلال منع العلم على مصاطب المسجد الأقصى، وعد التعليم على هذه المصاطب تنظيمًا محظورًا، فهل سيعد الإفطار على مصاطب المسجد الأقصى تنظيمًا محظورًا أيضًا؟!”، يجيب: “أنا لا أستبعد أي إجراء عنصري من قبل الاحتلال، لكن الفلسطيني دائمًا يبدع في أشكال الدعم والرباط”.
الشيخ كامل ريان رئيس مؤسسة إعمار المقدسات سابقًا من قرية كفر برا في الداخل المحتل يقول لـ”فلسطين”: “فلسطينيو الداخل لديهم تقليد قديم يتمثل في الإفطار العائلي داخل المسجد الأقصى، وهو من شد الرحال المميز في المسجد الأقصى”.
يضيف: “ويكون الخروج إلى شد الرحال إما في حافلات أو المركبات الخاصة، ويمكن مشاهدة هذا الأمر بوضوح عند ساعات المساء والتحضيرات قائمة من قبل العائلات للإفطار، وهذا الأمر له آثار إيجابية إذ يوثق الصلة بين الفلسطينيين ومسجدهم المهدد من الجماعات المتطرفة، ولا تكاد مدينة أو بلدة أو قرية في الداخل لا تشارك في هذه الظاهرة الرائعة من بالمسجد الأقصى، فكلٌّ يشجع الآخر على القدوم إلى المسجد الأقصى والإفطار في أجواء عائلية، وعند انتهاء الشهر الفضيل تبقى الذكريات الجميلة لدى كل من شارك في هذا الإفطار من العائلات، فهي عملية شد رحال ورباط وتاريخ يوثق في قلوب وعقول الفلسطينيين”.
ويقول رئيس الهيئة الإسلامية العليا خطيب المسجد الأقصى د. عكرمة صبري عن وجود عائلات داخل ساحات المسجد الأقصى: “هذا إنجاز بكل ما تعنيه الكلمة، فالاحتلال يريد أن يكون الأقصى وحيدًا دون منابع ترفده، الدافع الديني والوطني يدفع كل فلسطيني إلى الرباط في المسجد الأقصى بصور عديدة، وشاهدت بأم عيني كيف تتوزع العائلات الفلسطينية في كل المساحة الخارجية، وهذا إعمار لكل الساحات، بحيث لا يستغل الاحتلال عدم إشغالها وفراغها، فوجود العائلات على كامل مساحات المسجد الأقصى إعلان سيطرة وسيادة رغمًا عن الاحتلال”.
بدوره يؤكد مدير جمعية الأقصى لرعاية الأوقاف والمقدسات الإسلامية غازي عيسى أهمية توفير وجبات إفطار لضيوف الرحمن في المسجد الأقصى طوال شهر رمضان المبارك، خاصة للذين يشدون الرحال من خارج مدينة القدس من الداخل الفلسطيني والضفة الغربية وقطاع غزة، وإحياء الأقصى بمصليه، مشيرًا إلى أن الجمعية تقوم على هذا المشروع منذ عدة سنوات.
ويقول عيسى لـ”فلسطين”: “ليس هناك عدد محدد للوجبات التي تقدمها جمعية الأقصى في رمضان، فهي متفاوتة حسب أعداد المصلين، ومرتبطة أيضًا بالأوضاع السياسية، ومدى إمكانية الوصول إلى الأقصى، ولكن دون شك تكون الوجبات المقدمة لعشرات الآلاف متنوعة بين وجبات إفطار وسحور للمعتكفين”.
وتعتمد جمعية الأقصى في تمويل الإفطارات على صدقات أهل الخير داخل أراضي الـ48 المحتلة، حيث تستقبل الجمعية في فروعها ومندوبوها في المناطق كافة (النقب، والمثلث، والجليل) التبرعات والصدقات، التي يطلب أصحابها أن تكون في خدمة المسجد الأقصى من خلال مشاريع الجمعية، وأهمها “مشروع إفطار الصائم”، و”مشروع قوافل الأقصى” لشد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك.
وتسعى الجمعية إلى تحقيق الهدف الأول من وراء مشروع إفطار صائم، وهو خدمة ضيوف الرحمن الوافدين من المناطق كافة للعبادة في المسجد الأقصى، وتحفيزهم على الاستمرار في شد الرحال إلى المسجد، إضافة إلى أهداف أخرى لا تقل أهمية تتثمل في دعم الاقتصاد المقدسي بتشغيل المطاعم في المدينة المقدسة، وتشغيل الأيدي العاملة من الشباب المقدسيين في إعداد الوجبات ونقلها وتوزيعها وتنظيمها.
فلسطين أونلاين