الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الاسلامية العليا وخطيب المسجد الأقصى كان شاهد عيان على ألسنة الحريق وهي تتصاعد من المسجد الأقصى في العام 1969م، وعلى مكبرات صوت المسجد وهي تصدح بدعوة السكان للمساعدة في إطفاء الحريق، وحينها كان يعمل الشيخ صبري مدرسا في ثانوية الأقصى الشرعية الموجودة داخل المسجد، وكانت المدرسة في عطلتها الصيفية.
واستعرض الشيخ صبري، في تصريحات صحفية، ذكرياته حول الحريق المشؤوم، وقال: “كانت الساعة قرابة السابعة صباحا من يوم 21 من أغسطس / آب 1969، شاهدنا من بعيد ألسنة النيران وهي تتصاعد من منطقة المنبر في المسجد القبلي المسقوف، وبالتزامن كانت مكبرات في المسجد تستنجد بالمواطنين”.
وقال: “ركضنا إلى المسجد رجالا وشيوخا ونساء وأطفالا للمشاركة في إطفاء الحريق.. كان المشهد مروعا إذ أن النيران كانت تتسع بسرعة في المسجد”.
وأضاف: “بداية تمت محاولة إطفاء الحريق بطرق بدائية، حيث اصطف الناس في صفوف لنقل التراب في محاولة لإطفاء الحريق الذي أتى بداية على منبر صلاح الدين الأيوبي.. كان الناس ينقلون التراب والمياه من رجل إلى آخر وصولا إلى منطقة الحريق”.
وتابع: “كان الغضب ظاهراً على وجوه المواطنين، وكانوا ينقلون التراب وهم يهللون ويكبرون ويبكون على الأقصى ويهتفون ضد الاحتلال”.
وأوضح الشيخ صبري أن الوضع استمر على هذا الحال حتى وصول سيارات الإطفاء من مدن الخليل وبيت لحم ورام الله، في الوقت الذي عرقلت فيه قوات الاحتلال وصول سيارات الإطفاء.
وقال: “حينما وصلت سيارات الإطفاء كانت النيران قد أتت على الجزء الشرقي من المسجد، سقفه وأروقته ونوافذه، إضافة إلى المنبر والمحراب والسجاد والمصاحف”، لافتاً إلى أن الهيئة الإسلامية العليا عقدت في يوم الحريق نفسه مؤتمرا صحفيا وجهت فيه الاتهام إلى السلطات المحتلة بالمسؤولية عن الحادث.
وأضاف: “عند صلاة العصر، حمل السكان ما تبقى من منبر صلاح الدين المحترق وتظاهروا ضد سلطات الاحتلال“.
وذكر صبري أن الحريق وقع يوم خميس، وتم إغلاق المسجد يوم الجمعة بهدف التنظيف من آثار الحريق، وبالتالي لم تقم صلاة الجمعة.
ورغم أن سلطات الاحتلال أعلنت القبض علن المسؤول عن إضرام الحريق وتوجيه الاتهام إلى مايكل روهان، اليهودي، أسترالي الجنسية، بالمسؤولية إلا أن الشيخ صبري يؤكد أن من قاموا بالحريق هم أكثر من شخص.
وقال: “كانت المواد شديدة الاشتعال، هذه مواد لم تتوفر في الأسواق، ولم تكن بحوزة أفراد، هذه المواد لا توجد إلا لدى الجيوش والدول، وبالتالي فإن سلطات الاحتلال هي المخططة للحريق وهي التي زودت المجرمين لتنفيذ جريمتهم، وإن الذين قاموا بالجريمة هم مجموعة وليس شخصا واحدا”.
وأضاف: “لكن الذي ألقي القبض عليه هو واحد، وهو المدعو مايكل دينيس روهان، وقيل إنه أسترالي الجنسية، فإن كان هو أستراليا بمعنى أنه أجنبي، فكيف حصل على هذه المواد، ولماذا جاء للتنفيذ؟ ومعنى ذلك أن الأمر خطط له ودفع لأن يقوم بهذه الجريمة النكراء”.
وتابع الشيخ صبري: “الذي يؤكد أيضا أن الذين قاموا بالعمل أكثر من شخص، أن مواقع الحريق كانت متعددة، ولكن المجرم بدأ باستهداف المنبر الذي يرمز إلى تحرير مدينة القدس”.
لاحقا، قضت محكمة الاحتلال بعدم أهلية روهان العقلية، قبل أن تبعده إلى أستراليا عام 1974، وأعلنت وسائل إعلام أسترالية وفاته عام 1995.
وعلى مدى سنوات طويلة، انشغلت طواقم دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس، التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية، بعمليات ترميم واسعة للمسجد.
واشتكت دائرة الأوقاف، المسؤولة عن إدارة شؤون المسجد، من تدخلات الشرطة الإسرائيلية في أعمال الترميم ومحاولة عرقلتها.
ومطلع العام 2007 تم تركيب منبر صلاح الدين في المسجد الأقصى، وهو بالمواصفات والمقاييس ذاتها للمنبر المحروق، وتم صنعه في جامعة البلقاء التطبيقية في الأردن على نفقة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
وبحسب تصريح مكتوب صدر عن الديوان الملكي الأردني آنذاك، فإن “التحدي الكبير الذي واجه الحرفيين والمهندسين المشرفين على هذا العمل، هو تجميع 16.500 قطعة بعضها لا يتعدى طوله المليمترات القليلة في بناء فني طوله ستة أمتار، دون استخدام مواد تثبيت من صمغ أو مسامير أو براغٍ أو غراء”.
وأضاف: “تم استخدام طريقة التعشيق لإنتاج ما يمكن تسميته بفن المنبر الذي تمثل في فنون الزخرفة الهندسية والزخرفة النباتية والخط العربي والمقرنصات والخراطة والتطعيم بالعاج والأبنوس والتعشيق، وهي الأنماط الستة الرئيسية المكونة للفن الإسلامي”.
ويعد المنبر الآن من أهم المعالم التي يحرص كل زائر للمسجد الأقصى على التقاط الصور التذكارية إلى جانبه.
أما ما تبقى من المنبر الأصلي فيعرض في المتحف الإسلامي الموجود في المسجد الأقصى.
ولكن وإن رمم ما تم إحراقه في المسجد، فإن المسؤولين في إدارة الأوقاف يشيرون إلى أن الأخطار ما زالت تحدق بالمسجد بل وتزداد وتيرتها.