في صبيحة الثامن من أكتوبر 1990، لم يكن يوما عاديا، فقد استفاق الفلسطينيون على أصوات الرصاص والقنابل ومكبرات الصوت التي صدحت من المساجد في دعوة لحماية المسجد الأقصى المبارك.
وكان آلاف المقدسيون قد توجهوا إلى المسجد الأقصى، بعد إعلان جماعة “أمناء الهيكل” المتطرفة نيتها اقتحام الأقصى، وحينها لم تمنع قوات الاحتلال المصلين من دخول المسجد، كعادتها.
ففي ذلك العام وقبيل احتفال اليهود بما يسمى بـ “عيد العرش”، قررت ما تسمى “جماعة أمناء الهيكل” تنظيم مسيرة للمسجد الأقصى بنيّة وضع حجر الأساس “للهيكل الثالث”، وتوجه مؤسس الجماعة حينها “غرشون سلمون” برسائل عبر وسائل الإعلام لحث اليهود على الانضمام للمسيرة.
وفي محاولة للتصدي للاعتداء، اعتكف آلاف المصلين داخل مصليات الأقصى وباحاته، وفور اقتحام المستوطنين المشاركين في المسيرة، هبّ المعتكفون لمنعهم من تنفيذ مخططهم.
قوات الاحتلال من جانبها، أطلقت العنان لأسلحتها واستخدمت قنابل الغاز السام والأسلحة الأوتوماتيكية والطائرات العسكرية، كما شارك المستوطنون بإطلاق الرصاص الحي تجاه المصلين في “مجزرة الأقصى”، التي أسفرت عن استشهاد 21 شابا وإصابة المئات بجروح متفاوتة.
ويروي شهود عيان أن أحد جنود الاحتلال المتمركزين قرب “باب الأسباط”؛ أحد أبواب المسجد الأقصى، كان يحرك رأسه متوعدا الشبان الوافدين إلى المسجد.
وأردف: “قبل المجزرة بنصف ساعة، وضعت قوات الاحتلال الحواجز العسكرية على كل الطرق المؤدية إلى المسجد الأقصى، لكن المصلين كانوا قد تجمعوا في المسجد قبل ذلك التوقيت بساعات”.
وتابع: “كان جيش الاحتلال جاهزا، بمجرد بدء الاشتباكات، فبدأ بإطلاق النار من أسلحة أوتوماتيكية، وكذلك إطلاق قنابل الغاز السام، فيما كانت طائرات الهليكوبتر العسكرية تحوم فوق المكان، واستمر إطلاق النار من الجيش والمستوطنين لمدة 35 دقيقة كاملة”.
بدوره، يروي المصور الصحفي محفوظ أبوترك -والذي تفرّد بتوثيق المجزرة بعدسته- كيف أنه كان من غير المعتاد لأي مستوطن دخول المسجد الأقصى في تلك الفترة، وكيف هب المصلون بالآلاف لمنعهم من اقتحامه، وقد بدأ الشيوخ بعدها يلقون المواعظ والدروس الدينية بجموع المصلين، الذين أصروا على تأدية الصلاة في الساحة الخارجية قبالة المصلى القبلي.
ويقول أبو ترك “فجأة سمعنا صوت انفجار قنبلة صوت أو غاز على ساحات صحن قبة الصخرة، حينها ثار الشبان، وخلال دقائق معدودة رأينا المئات من قوات الاحتلال تدخل بكثافة من بابي المغاربة والسلسلة، وتطلق الأعيرة النارية على المصلين بشكل عشوائي”.
وتمركزت قناصة الاحتلال على سطح المدرسة التنكزية المطل على الجهة الغربية من المسجد، وبدأوا بقنص المصلين وتعمّد إصابتهم في أماكن حساسة وعلويّة من الجسم، وقد دافع الشبان العزّل عن أنفسهم بالحجارة فقط، بينما اعتقلت قوات الاحتلال مئات المصلين واقتادتهم إلى سجونها، وملأت الدماء في ذلك اليوم باحات المسجد، ووضعت النسوة بعدها قوارير الورود فوقها.
وزعم الاحتلال آنذاك أن مكبرات الصوت في المسجد الأقصى كانت تحرض المصلين للهجوم على قواته، لكن أبو ترك أكّد أن المكبرات كانت تدعو الشبان للابتعاد حفاظا على حياتهم.
يقول أبو ترك أنه زار معظم بيوت العزاء في ذات اليوم لتوثيق آلام ذوي الشهداء، ويروي أن أحد ضباط الاحتلال طلب من عميل له جلب شاحنة ممتلئة بالحجارة ليلقيها قبالة باب المغاربة ويزعم لاحقا أنها من إلقاء المصلين، فعل العميل ما طلب منه، لكنه عاد بعدها إلى بيته في القدس ليكتشف أن شقيقه قد قتل في مجزرة الأقصى!.