المقدمة:
توالت تطورات مشروع التهويد في القدس على مدى الأشهر السبعة الماضية ترفد زخمَها وتصاعدها لقاءاتٌ وتصريحات مشبوهة من مسؤولين عرب ومسلمين تخطب ودّ الاحتلال تقربًا إلى الإدارة الأمريكية ورئيسها دونالد ترمب أملاً في اكتساب شرعيّة لحكمهم.
وزّع الاحتلال جهوده في القدس اعتداءاتٍ وتهويدًا على المستويين الديني والديمغرافي، فكثّف “نشاطه” في الأقصى اقتحاماتٍ، وملاحقةً للمرابطين والمرابطات، وإجراءاتٍ يستكمل بها سيطرته على المسجد بعدما أفشلت محاولاته في شهر تموز/يوليو هبّةُ باب الأسباط. كذلك، تكشّف عدد من الصفقات التي كشفت مسلسل تسريب الأوقاف التابعة للكنيسة اليونانية الأرثوذكسية في القدس إلى مستوطنين ورجال أعمال يهود، بما يعزّز قبضة الاحتلال على المقدسات المسيحية في القدس وفلسطين عمومًا.
وعلى المستوى الديمغرافي، لم تتوقّف المشاريع الاستيطانية إن عطاءات أو مصادقة على البناء في المستوطنات وتوسعتها، بالإضافة إلى القرارات المتتابعة بهدم منازل المقدسيين ومنشآتهم، وتهجيرهم من أرضهم وبيوتهم، فمن بداية تموز/يوليو 2017 حتى 14/12/2017 تجاوز عدد الوحدات الاستيطانية 11591، أما المنازل والمنشآت التي هدمت فبلغت نحو 71، وبلغ عدد إخطارات إخلاء البيوت نحو 309 إخطار.
القدس لم تتوقّف وإن تراجعت وتيرة عملياتها بما يفرضه حجم الإجراءات التي فرضها الاحتلال والتنسيق الأمني؛ وما بين اعتقالات السلطة للشبّان الفلسطينيين والإجراءات العقابية التي فرضها الاحتلال على الفلسطينيين وعلى البلدات التي خرج منها منفّذو العمليات والملاحقات التي طالت النساء والأطفال، والناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي إرهابًا لهم وتخويفًا لعائلاتهم، أمكن تنفيذ عدد من العمليات، كانت عملية اشتباك الأقصى في 14/7/2017 في مقدّمتها، وأثبتت فشل الاحتلال في إنهاء الانتفاضة والمقاومة، وأثارت قلقه من إمكانية تنفيذ عمليات مشابهة، ولا تزال مخاوفه قائمة وتتصاعد يدلّ عليها حالة الـتأهب الدائمة، وتعزيز الوجود الأمني والعسكري والاستخباري في القدس.
خطف إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب القدس عاصمة لدولة الاحتلال في 6-12-2017 الأضواء ليحلّ خبرًا رئيسًا في جملة الأخبار الواردة من القدس وعنها، ولكنّ هذا الإعلان الذي يفصله عن إعلان بلفور مئة عام، جاء ليكمّل صورة المشروع الاستعماري الذي تشكّل منذ ما قبل وعد بلفور الذي كان تصريحًا عن توجّهات الحكومة البريطانية الاستعماريّة. وإعلان ترمب اليوم ليس ضوءًا أخضر أمريكيًا لدولة الاحتلال لاستمرار مشروعها التهويدي في القدس وحسب، فهذا سيكون من الارتدادات المحتملة للإعلان لا سيّما إن لم يتّخذ موقف حازم حياله، ولكنّه يأتي نتيجة متوقّعة بعد سلسلة المواقف العربية والإسلامية المستغرقة في التطبيع مع “إسرائيل”، والعاملة على شيطنة القضية الفلسطينية، ضمن حسابات سياسية ضيّقة ومتعارضة مع حقائق التاريخ والجغرافيا.
إذًا، أظهرت الأشهر المنصرمة أنّ عنوان الخطر على القدس في المرحلة القادمة ليس الاحتلال الإسرائيلي وحسب، بل التصاعد في حجم التنازل العربي والإسلامي الرسمي، والانصياع للصلف الأمريكي وتطور المواقف العدائية الأمريكية في القدس، حيث تلتقي هذه العوامل بظلالها لإعطاء دولة الاحتلال المزيد من الجرأة على تهويد القدس ومقدّساتها.
ولا شك في أن مواجهة ذلك يتطلّب تبنّي خطاب وأدوات جديدة لتطويق هذا الانحدار في الموقف العربي الرسمي، ولكبح جماح الهجمة الأمريكية التي تعتمد نهجًا يمحق الحقّ الفلسطيني، ولكن بفجاجة أوضح وسرعة أكبر، ولوقف الهجمة التّهويدية مع مراكمة نتائج المقاومة والنّضال بما سيؤدّي إلى كفّ يد الاستعمار والاحتلال عن المنطقة.