غزّة بعد ثلاثة أعوام من الحرب الثالثة – ماهر الطباع *

توافق في هذه الأيام الذكرى الثالثة للحرب الثالثة على قطاع غزة، والتي شنتها (إسرائيل) من 7-7-2014 حتى 26-8-2014، واستمرت 51 يوما في ظل أوضاع اقتصادية و إنسانية كارثية غير مسبوقة، وذلك بعد حصار ظالم وخانق مستمر منذ 10 سنوات، حيث تعرض قطاع غزة إلى حرب إسرائيلية ضروس و طاحنة استهدفت البشر و الشجر و الحجر وحرقت الأخضر واليابس.

اليوم وبعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب لم يتغير شيء على أرض الواقع، فما زال القطاع محاصرا، والأوضاع الاقتصادية تزداد سوءا، وكافة المؤشرات الاقتصادية الصادرة من المؤسسات الدولية و المحلية تحذر من الانهيار القادم لغزة.

فالمعابر التجارية المحيطة بقطاع غزة (المنطار –الشجاعية –صوفا ) مغلقة، باستثناء معبر كرم أبو سالم و الذي يعمل وفق الآليات التي كان يعمل بها قبل الحرب الأخيرة، ومن خلال رصد حركة الشاحنات الواردة عبر كرم أبو سالم خلال النصف الأول من عام 2017، فقد بلغ عدد الشاحنات الواردة خلال تلك الفترة 57264 شاحنة منها 55077 شاحنة للقطاع الخاص، وبلغ عدد الشاحنات الواردة كمساعدات إغاثية للمؤسسات الدولية العاملة بقطاع غزة 2177 شاحنة.

وبمقارنة عدد الشاحنات الواردة خلال النصف الأول لعام 2017 مع النصف الأول لعام 2016 نجد انخفاض عدد الشاحنات الواردة خلال النصف الاول من عام 2017 بنسبة 5%, وانخفاض عدد الشاحنات الواردة للمؤسسات الدولية و العربية العاملة بقطاع غزة بنسبة 75%.

أما على صعيد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة إلى العالم الخارجي و الضفة الغربية و (إسرائيل) فقد بلغ عدد الشاحنات الصادرة خلال النصف الأول من عام 2017 حوالي 1630 شاحنة من المنتجات الصناعية والزراعية بنسبة ارتفاع عن عام 2016 بحوالي 64%, وبالرغم من ارتفاع نسبة الصادرات إلا أنها لم ترق للمطلوب، حيث بلغ معدل عدد الشاحنات الصادرة من قطاع غزة قبل فرض الحصار بما يزيد عن 5000 شاحنة سنويا.

أما بخصوص عملية إعادة إعمار غزة فحدث ولا حرج, فبحسب آخر تقرير للبنك الدولي فإن نسبة ما تم تلبيته من إجمالي احتياجات التعافي في خمسة قطاعات تأثرت بحرب عام 2014 لا تتجاوز 17%، إذ بعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب لم تبدأ عملية إعادة الإعمار الحقيقية وما زالت تسير ببطء شديد ومتعثرة.

ومن أهم أسباب بطء وتعثر عملية إعادة الإعمار استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ ما يزيد عن 10 سنوات, و استمرار إدخال مواد البناء وفق الآلية الدولية العقيمة المعمول بها حاليا ” آلية إعمار غزة “GRM، والتي رفضها الكل الفلسطيني منذ الإعلان عنها و ثبت فشلها في التطبيق على أرض الواقع, حيث إن كمية ما تم إدخاله من مادة الاسمنت للقطاع الخاص لإعادة اعمار قطاع غزة خلال الفترة من 14/10/2014 حتى 30/6/2017 بلغت حوالي 1.6 مليون طن، وهي لا تمثل سوى 33% من احتياج قطاع غزة للإسمنت في نفس الفترة, المقدر بحوالي 4.5 ملايين طن خلال نفس الفترة لتلبية الاحتياجات الطبيعية فقط، ولا تزال هناك حاجة إلى 46٪ من الاسمنت لحالات إعادة إعمار المساكن التي استهدفت خلال حرب عام 2014.

وانعكس ذلك بشكل واضح على بطء شديد في عملية الإعمار, وعلى سبيل المثال ما تم إنجازه في الوحدات السكنية المدمرة كليا, إعادة بناء 4274 وحدة سكنية من جديد من أصل 11000 وحدة سكنية دمرت كليا, وهي تمثل فقط 38,8% فقط من كافة الوحدات التي تم تدميرها بشكل كلي , وبلغ عدد الوحدات السكنية التي في مرحلة البناء 1516 و الوحدات السكنية التي يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 1409 و الوحدات السكنية التي لا يتوفر لها تمويل لإعادة إعمارها 3801 وحدة سكنية.

ويقدر عدد الذين ما زالوا نازحين وبدون مأوى جراء الحرب، أكثر من 6300 أسرة, وتوجد فجوة عاجلة في المساعدة والحاجة لدعم مالي نقدي لنحو 5300 أسرة نازحة تقريبا.

أما على صعيد القطاع الاقتصادي فهو مغيب كليا عن عملية إعادة الإعمار, حيث بلغ عدد المنشآت الاقتصادية التي تضررت في كافة القطاعات ( التجارية و الصناعية و الخدماتية ) حوالي 5427 منشأه اقتصادية, وقدرت خسائرها المباشرة وغير المباشرة بحوالي 284 مليون دولار، كما قدرت تكاليف إنعاشها وإعادة إعمارها بحسب ما تم رصده في الخطة الوطنية للإنعاش المبكر و اعادة الاعمار بحوالي 566 مليون دولار، فلا يوجد أي جديد فحالها كما هي، حيث إن ما تم إنجازه في الملف الاقتصادي هو صرف تعويضات للمنشآت الاقتصادية بحوالي 9 ملايين دولار من المنحة القطرية وصرفت لحوالي 3195 منشأة من المنشآت الصغيرة التي تضررت بشكل جزئي بسيط و بلغ تقييم خسائرها أقل من سبعة ألاف دولار، بالإضافة إلى رصد مبلغ 8.6 ملايين دولار من المنحة الكويتية للشركات المتضررة في قطاع الصناعات الإنشائية والخشبية، ومجمل ما تم رصده للقطاع الاقتصادي لا يتجاوز 6.1% من إجمالي أضرار القطاع الاقتصادي المباشرة وغير المباشرة.

إن التأخر في إعادة الاعمار واستمرار الحصار أديا إلى تداعيات خطيرة على الاوضاع الاقتصادية في غزة, وهذا ما حذرت من تداعياته المؤسسات الدولية؛ حيث أدت تلك التداعيات إلى ازدياد عدد الفقراء و المحرومين من حقهم في الحياة الكريمة, فبلغت معدلات البطالة في غزة 41.1% في الربع الأول من عام 2017 بحسب مركز الإحصاء الفلسطيني, وبلغ عدد العاطلين عن العمل 206 آلاف شخص, و ارتفعت معدلات الفقر و الفقر المدقع لتتجاوز 65% وتجاوز عدد الاشخاص الذين يتلقون مساعدات إغاثية من الاونروا و المؤسسات الإغاثية الدولية أكثر من مليون شخص بنسبة تزيد عن 60% من إجمالي سكان القطاع.

وفي النهاية أتساءل للمرة المليون.. إلى متى؟ وما الحل؟، وما المطلوب؟

  • خبير اقتصادي

عائلات الشهداء والأسرى على لائحة الإرهاب – لمى خاطر *

حتى عهد قريب ظلّ الخطاب الإعلامي والشعبي للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية يُعلي من شأن الشهداء والأسرى، ويؤكد خصوصيتهم، وأنهم فوق الخلافات السياسية، بل ويحاجج خصومه بأن السلطة ترعى عائلات الشهداء والأسرى وتخصص لهم رواتب شهرية تغنيهم عن العوز، وتحفظ كرامتهم، وأنها قدمت لهم ما لم يقدمه غيرها، مع أن قسماً كبيراً من موارد السلطة يُجبى من الضرائب التي يدفعها عموم الفلسطينيين. وكان كل هذا يحدث رغم إساءة أجهزة السلطة لقسم كبير من الأسرى المحررين من سجون الاحتلال، عبر إعادة اعتقال وتعذيب عدد منهم، ولا سيما من لديه منهم نشاط واضح ضد الاحتلال.

ولكن سيتضح فيما بعد أن زيارة محمود عباس لواشنطن ولقاءه ترامب واستماعه لمطالبه وإملاءاته سيلقي بظلاله المباشرة السلبية على هذه الشريحة من الجمهور الفلسطيني، أي على ذوي الأسرى والشهداء، فكانت البداية بقطع رواتب نحو 250 أسيراً ومحررا، معظمهم من محرري صفقة وفاء الأحرار، أي ممن ثبت تنفيذهم عمليات مقاومة ضد الاحتلال، في تساوق فوري مع الطلب الأمريكي بهذا الخصوص.

أما ما كانت تعرف بوزارة الأسرى والمحررين، فجرى تحويلها إلى هيئة، ثم يبدو أنها في طريقها لتصبح جمعية أهلية لمتابعة شؤون الأسرى، أي أن السلطة تتخلى بالتدريج عن التزاماتها تجاه الشريحة التي قاومت الاحتلال، ولا تبالي بترك عائلاتها دون مصدر دخل، لأن الرسالة المطلوب تأكيدها هنا هي إظهار كلفة العمل المقاوم، ومدى فداحة ضريبته، وكيف أنه سيؤثر بشكل مباشر على ذوي المقاوم أو المناضل، بل سيكون ممنوعاً على أي جهة أن تمدّ لهم يد العون، بدعوى أن ما يقدم له من تعويضات سيعدّ تمويلاً للإرهاب.

ما يجب أن نعلمه أيضاً أنّ الأموال التي تقدّمها التنظيمات الفلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي تحديداً) لعائلات الشهداء والأسرى كتعويض لهم تعدّ محظورة أيضاً في عرف السلطة والاحتلال، ويعاقب ناقلها وموصلها لأصحابها، ومؤخراً متلقيها، بالسجن ومصادرة الأموال والممتلكات.

هكذا تضيق الحياة شيئاً فشيئاً على الشريحة الأنبل والأشرف والأكثر عطاءً وتضحية داخل فلسطين، أي جمهور المقاومة، وتلاحَقُ في رزقها وقوت عيالها، بل قد تُحرم من إنشاء مشاريع تجارية خاصة بذريعة الخوف من غسيل الأموال، وهي تهمة فورية وجاهزة وتفيض بها سجلات محاكم السلطة، رغم أن معظمها بلا دليل. وفي الجهة المقابلة فإن حرب التجويع والحصار على غزة تخدم الأهداف ذاتها المبتغاة من تصعيب حياة جمهور المقاومة.

لا تبدو السلطة مكترثة بالفضيحة الأخلاقية المترتبة على أفعالها الأخيرة تلك، بل نجدها تسارع لفض اعتصام الأسرى المحررين المقطوعة رواتبهم أمام مجلس الوزراء في رام الله، تماماً مثلما أنها لم تكترث بصورتها أمام العامة وهي تعلن عزمها تشديد الحصار على غزة، لكنها لا تخجل في المقابل من الادعاء المستمر بأنها تحمل مشروعاً وطنياً وتسعى لكنس الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، بينما لا تقول لنا كيف ستفعل ذلك فيما نراها تسدد ضربات عقابية للمقاومين وذويهم، أي لدعامة أي مشروع وطني تحرري في أي مكان محتل، وتُصدّع صمودهم بدل أن تدعمه وتعززه، وتلاحقهم في أرزاقهم بدل أن تكافئهم، أو على الأقل بدل أن تغضّ الطرف عن أي مساعدة أو تعويضات تصلهم من جهات أخرى، ذلك أن أبسط تجليات المنطق تقول إن مهمة الكيان الوطني دعم صمود الناس وتعويض المتضررين منهم بفعل إجراءات الاحتلال، وعلى رأسهم ذوو الشهداء والأسرى، ومن آذاهم الاحتلال بهدم بيوتهم أو مصادرة ممتلكاتهم.

نعلم جيداً أن المنطق غائب عن حسابات هذه السلطة، وأن التنكر لعذابات شعبها أمر عادي جداً لديها، ويمكن أن يقايَض بالرضا الإسرائيلي أو الأمريكي، لكن السؤال الأخلاقي هنا لا يمكن أن يتوقف أو يصبح مستهلكا، وما يجب على السلطة أن تقوله لشعبها هو تفصيل المقابل الحقيقي لكل ذلك الانبطاح أمام الرغبات الأمريكية! فلماذا تفعل ذلك؟ وما هو المقابل الذي ستجنيه حين تضحي بكل أوراق القوة لديها، وحين تتحول إلى جلاد معلن لشعبها؟ وهل مجرد وعد يتيم من الإدارة الأمريكية باستئناف المفاوضات يستحق كل ذلك الإذعان؟ أم أن علينا أصلاً أن نبحث في الدور الوظيفي لهذه السلطة منذ تأسيسها؟ لنتوقع أنها ستتحول في مرحلة معينة إلى خانة العداء المطلق لتطلعات شعبها والاستهتار بتضحياته، وتقديمها قرابين على مائدة المفاوضات؟

ثمة خديعة كبرى اكتنفت ظروف تأسيس وتمدد السلطة، غير أن الجدوى الحقيقية من وجودها كانت مغلّفة بخطاب دعائي مخاتل، وبكم غير محدود من زيف الشعارات، وبأبواق إعلامية مهمتها تجميل الموبقات الوطنية، أما ضحايا هذه الدعاية فلم يكونوا فقط من المنتفعين من وجود السلطة، بل أيضاَ من بعض الطيبين الذين يفضلون تقبّل الوهم والتعايش معه على مواجهة سطوع الحقائق واستحقاقاتها.

 

 

  • كاتبة وناشط فلسطينية، مقيمة في مدينة الخليل

لن يُقفل باب مدينتنا – فيروز شرقاوي

باب العامود هو الباب الشمالي للبلدة القديمة في القدس، يقع بين باب الساهرة شرقاً وبين باب الجديد غرباً، وهو الباب الرئيس من بين الأبواب السبعة المفتوحة في سور البلدة القديمة، بل وأفخمها من الناحية المعمارية والزخرفية.

 

يدخل العابرون من باب العامود إلى طريقٍ تُفضي إلى سوق خان الزيت يميناً، وإلى طريق الواد يساراً. له عدّة أسماء أخرى منها: باب نابلس، وباب دمشق، والباب الشمالي، وباب النصر. وقد قيل: يدخل الغزاة إلى القدس من باب يافا/ الخليل، ويدخل المحرّرون من باب دمشق/ العامود.

 

أنشِئ هذا الباب للمرة الأولى في عهد الإمبراطور الروماني “هيرود أغريبا” الذي تولّى الحكم سنة 37 م، وبُني عامودٌ في ساحة الباب وعليه تمثالٌ للإمبراطور، ومن هنا جاءت التسمية. وقد تعرّض الباب للتدمير الكلي عام 70م، ومن ثمّ توالت على إعادة إعماره وبنائه الأمم.

 

كان آخر من قام بإعادة إعماره على شكله الحالي، السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1538م في نفس مكان الباب الروماني القديم والأصلي، وكانت إعادة الإعمار تلك ضمن حملة السلطان القانوني الشاملة والواسعة لتجديد وإعمار سور البلدة القديمة.

 

وعلى الرغم من أن العامود الذي حمل تمثال الإمبراطور قد تدمّر منذ قرونٍ خلت ولم يعُد له وجود، إلّا أنّ الفلسطينيين ما زالوا يستخدمون تسمية “باب العامود”، وفي ذلك دلالة على ذاكرتهم الجمعيّة المتوارثة من جيل إلى جيل.

 

معمارياً، يتمتع باب العامود بمقام خاصّ بين سائر أبواب البلدة القديمة، يبدو هذا التميّز المعماري واضحاً للعين عندما تقارن بينه وبين سائر الأبواب ذات النمط البسيط في البناء، كباب الساهرة على سبيل المثال.

 

وللباب واجهتان، واحدة شمالية فخمة تستقبل الوافدين إلى البلدة القديمة، وأخرى جنوبية تودّع المغادرين، وهما ليستا على محور واحد. والباب أشبه بقلعة دفاعيٰة، يقول الباحث يوسف النتشة أنه روعي في تخطيط الباب أن يكون منكسراً وبزاوية قائمة تحقيقاً لمبدأ عام في عمارة العصور الوسطى العسكرية، يهدف إلى إعاقة وكشف المهاجمين في حال تمكّنهم من اقتحام بوابة السور الرئيسة[1].

 

ويضيف النتشة، أنه يحيط بعقد المدخل مجموعةٌ من الدوائر الحجرية المزخرفة وبينها مجموعةٌ من المزاغل للمراقبة ولرمي السهام والبارود. وبشكلٍ عام، فإنّ باب العامود من النماذج المعمارية العثمانية الخاصّة التي لا يوجد مثلها ليس في القدس فقط بل في فلسطين كلها.

 

باب العامود “وسط البلد”

 

يشكّل باب العامود المدخل الرئيس إلى البلدة القديمة، ما جعله من أهم المساحات في المدينة. وهو حيّز نشط ورئيس في المدينة، ونقطة التقاء اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية، ما يجعله بمثابة “مركز المدينة” للمقدسيين؛ ففيه كانت تلتقي بائعات الخضروات اللواتي كنّ يأتين من قرى شمال غرب القدس وقرى بيت لحم ومن أريحا، وفيه كانت تسير المظاهرات والاحتجاجات في الثورات المتعاقبة ضدّ الاستعمار البريطاني، وتلك التي خرجت لاحقاً ضدّ الاستعمار الصهيوني، وتقع بالقرب منه مواقف الحافلات والسيارات التي تنقل الركاب من المدينة وإليها.

 

وفي محيطه كانت بسطة الجرائد الأشهر، بسطة الحاج عمير دعنا، والذي كان يخوض النقاشات حول مواضيع سياسية وثقافية واجتماعية مع رواد بسطته من المقدسيين وزوار القدس على حدٍّ سواء، فشكّلت بسطته مَعلماً بارزاً من معالم القدس إلى وفاته عام 2015، وغير ذلك من معالم باب العامود التي شكّلته كمركز للتفاعل والنشاط في القدس.

 

وبشكلٍ عام، فإن أهل البلاد يمارسون في محيط باب العامود ملكيتهم وانتماءهم للقدس، الأمر الذي يجعل تاريخ باب العامود حافلاً بالمحطات المهمة التي شكّلت تاريخ القدس وفلسطين على مرّ السنين. ومنذ بداية الاستعمار الصهيوني في القدس، يدور صراع بين الفلسطينيين والمستعمِرين حول هذا الحيز بالغ الأهمية.

 

فعاليات صهيونية في محيط باب العامود

 

وفي مقابل ذلك، نرى اليوم محاولات حثيثة تقوم بها سلطات الاحتلال الصهيوني المختلفة لصهينة محيط باب العامود، وإشغاله بما يسير ويتوافق مع مصالحها؛ فتقيم عدداً من النشاطات السنوية تهدف إلى ربط البلدة القديمة بمنطقة شارع يافا غربي البلدة القديمة، أو ما يسمّيه الاحتلال “مركز المدينة”.

 

وتوّسع هذه النشاطات الرقعة التي يجوبها المستوطنون والسيّاح في القدس، إذ تحمل بعض هذه النشاطات بشكل واضح هدف تكثيف السياحة الصهيونية الداخلية للقدس وبخاصة السياحية الليلية على اعتبار “القدس مدينة تنام باكراً” في الثقافة الصهيونية. وتعود هذه النشاطات على الاحتلال بالمنفعة الاقتصادية، إضافة إلى المنفعة السياسية الأهم، وهي تطبيع احتلال البلدة القديمة أمام العالم. وبطبيعة الحال، تهتمّ بلدية الاحتلال في القدس أن يكون محيط باب العامود جزءاً لا يتجزّأ من مخططات هذه النشاطات. ونذكر منها:

 

“مهرجان أنوار القدس”: منذ تسع سنواتٍ تنظم ما تسمى بـ”سلطة تطوير القدس”، بالتعاون مع بلدية الاحتلال و”وزارة شؤون القدس والتراث” الصهيونية مهرجاناً للأنوار في القدس، ويشمل المهرجان إضاءة سور البلدة القديمة والمجسمات داخلها وفي محيطها، وعروضاً ضوئيةً تجذب المئات من المشاركين على مدار أيام المهرجان التسعة، وتشارك فيه عشرات الفرق الصهيونية والأجنبية، ويتم التشديد فيه على الرواية اليهودية والصهيونية لتاريخ القدس.

 

ومن أهمية هذا المهرجان للكيان اعتباره واحداً من سلسلة مهرجاناتٍ للأنوار تُقام سنوياً في مدن عدة في أنحاء العالم، كمحاولةٍ أخرى لتطبيع الكيان واعتباره جزءاً طبيعياً ومشاركاً في المجتمع الدولي. وبطبيعة الحال، يشكّل باب العامود محطة رئيسية في هذا المهرجان، وعادةً ما تتمّ إضاءة الباب وجداره بالكامل بطريقة عنيفة – غريبة عن أصالة المكان – رغم جماليتها الفنية المدّعاة.

 

“يوم القدس”: يحتفل الكيان الصهيوني في ذكرى النكسة كل عام باحتلال الشقّ الشرقي من مدينة القدس، تحت عنوان “يوم توحيد القدس”. ودائماً ما كان يحتفل بهذا اليوم تحت عنوان “يوم التوحيد”، إلا أن وزيرة الثقافة الصهيونية “ميري ريجيف” هذا العام أصرت على أن يحمل الشعار الذي صُمّم لغرض الاحتفالية عبارةَ “تحرير القدس”.

 

وفي كلّ سنة، تشمل الاحتفالات بهذا اليوم، مسيرة أعلامٍ ضخمة يشارك فيها بشكل رئيس أبناء التيار الصهيوني الديني، تجوب شوارع القدس وتدخل عبر باب العامود إلى البلدة القديمة، ويرفع آلاف المشاركين الأعلام الصهيونية ويرقصون ويغنّون بحركات استفزازية، ويهاجمون المقدسيين من سكان البلدة القديمة والتجار في طريقهم إلى ساحة البراق، حيث تنتهي المسيرة باحتفال كبير.

 

ويشهد باب العامود في هذا اليوم في الذات جوّاً مشحوناً؛ إذ يبدأ بإغلاق مسار المسيرة وانتشار أفراد شرطة الاحتلال في محيط البلدة القديمة وخصوصاً في منطقة باب العامود. ولأجل “تأمين” هذه المسيرة، تغلق شرطة الاحتلال مداخل البلدة القديمة في وجه المقدسيين، ومن ضمنهم سكان البلدة القديمة الذين يحاولون الوصول إلى بيوتهم. عند وصول المستوطنين المشاركين في المسيرة إلى ساحة باب العامود، وفيها بالذات، يبدأون برقصات جماعية بينما هم يغنّون أغانيَ صهيونية ويلوّحون بأعلامهم (منها أغنية قدس الذهب).

 

وعادةً ما يتجمّع عددٌ من المقدسيين للتصدّي لمسيرة الأعلام، منظّمين وقفةً لرفع الأعلام الفلسطينية. تقمع قوات الاحتلال هذه الوقفة بشكلٍ مستمر، مستخدمةً العنف الشديد والاعتقالات. فيشكّل باب العامود ساحة معركة يمارس فيها المحتلّ عنجهيته واستفزازه، ويواجهه فيها صاحب الأرض كجزءٍ من نضاله للتشبُّث بالقدس وحماية جذوره فيها.

 

صهينة المكان

 

بالإضافة إلى محاولات احتلال رمزية المكان، فإن منطقة باب العامود لا تخلو من محاولات إعادة تشكيل الأرض. فمنذ احتلال الشطر الشرقي للمدينة، بدأت سلطات الاحتلال العمل على وضع وتنفيذ مخططات تهويدية في منطقة باب العامود تُغيّر من طابع المنطقة المعماري. منها مشروع إقامة مركز تجاري رئيسـي في وسـط المدينـة، في مسـاحةٍ تبلغ 2700 دونمٍ تمتد من مقبرة مأمن الله غرباً ومنطقة المستشفى الفرنسي في طريق يافا شمالاً، وبين محطّة السكك الحديدية جنوبـاً وسـور القـدس وحي وادي الجـوز شـرقاً مروراً بباب العامود.

 

مشروع آخر أقرّته سلطات الاحتلال عام 1985 تحت عنوان “الربط بين شطري المدينة”، شمل إعادة تنظيمٍ لحي المصرارة، ومن ضمنها إقامة موقف الباصات الجديد بدلاً عن القديم، ما شكّل تمهيداً لتحديث الشارع الرئيسي (المعروف بـ”شارع رقم 1”) إلى هيئته الجديدة.

 

ولم يسلم باب العامود – كعمارةٍ – من هذه الهجمة، ففي عام 2011، قامت سلطات الاحتلال بما أسمته “ترميم باب العامود”، مضيفةً قبباً حجريةً صغيرةً في أعلى الباب مكان القبب الأصلية التي هدمت أو سقطت خلال سنيّ الباب الطويلة. ويبدو واضحاً كالشمس عدم توافق هذه القبب الجديدة مع سائر الشكل المعماري للباب والسور.

 

إن هذا التغيير المعماري يجسّد العلاقة الوطيدة بين العمارة وسلطة الحكم لدى المستعمر، فالكيان يرى بتشويهه هذا لباب العامود ممارسةً للسلطة في المدينة المحتلة، امتداداً لما سبقه وما يتلوه من بناءٍ للمستوطنات وجدار الضمّ والتوسُّع وشوارع المستوطنين وعمارات حكومية في الشق الشرقي للمدينة وغيرها.

 

إضافةً إلى ما سبق، خلقت سلطات الاحتلال حالةً من الفوضى في كلّ ما يتعلّق بالحياة الاقتصادية في محيط باب العامود؛ فأصحابُ البسطات الذين ملأوا لسنين طويلةٍ خلت هذا المحيط، مجبرون الآن وحسب الإجراءات الصهيونية على استصدار تصاريح لوضع بسطاتهم في المكان. وطريقة إعطاء هذه التصاريح عشوائية وتعسفية، مما يخلق الفوضى والاضطراب، ضارباً بذلك طبيعة محيط باب العامود كحيّزٍ اقتصاديٍ حيويٍ ومنتعش. وبالطبع، فهذه الإجراءات جزءٌ من سياسة تضييق شاملة للاقتصاد في البلدة القديمة، وامتدادٌ لطلبات تعجيزية وضرائب باهظة تمّ فرضُها على تجار البلدة القديمة.

 

وفي حي المصرارة، المقابل لباب العامود، وإلى جانب بلدية الاحتلال، تعمل الجمعيات الاستيطانية بشكل دؤوب لكن بصمت لطرد العائلات والتجار من البيوت والمحال التجارية في المصرارة. ويبلغ عدد عائلات المستوطنين التي تسكن في الحي اليوم ثماني عائلات[9]. وكما هو الحال في حي الشيخ جراح، تستخدم الجمعيات الاستيطانية القضاء الصهيوني لإخلاء العائلات والتجار المقدسيين بالإدّعاء أن المباني أملاك لليهود الذين سكنوها قبل عام 1948. ويقوم “القيّم العام” وهو المسؤول عن ضبط استخدام “أملاك الغائبين” بتعجيز المستأجرين الفلسطينيين بهدف الضغط عليهم لتسليم العقارات للمستوطنين.

 

باب العامود كساحة احتجاج

 

ولرمزيته أيضاً، شكّل باب العامود ساحةً للتظاهر والاحتجاج والمقاومة الفلسطينية ضدّ العثمانيين، ومن ثم الاستعمار الإنجليزي والصهيوني. فقد شهدت ساحته العديد من الاحتجاجات كالمظاهرة الكبيرة التي نظمت فيها عام 1920 احتجاجاً على نشاط الحركة الصهيونية في فلسطين والحماية البريطانية لها، وكان باب العامود الشاهد الأساسي في القدس على الإضراب الكبير عام 1936، وما تبعه بعد سنوات من إضرابات تجارية شاملة، وخصوصاً خلال الانتفاضتين الأولى والثانية.

 

وفي الأربعينات، وصل الصراع على القدس بين الحركة الصهيونية والفلسطينيين ذروة جديدة، وبالطبع كان باب العامود ساحة أساسية في هذه المعركة على المكان. ومن القصص المؤرّخة عن هذه الساحة في تلك السنوات، قصةٌ يذكرها المؤرخ عارف العارف في كتابه “النكبة الفلسطينية والفردوس المفقود”، مفادها أنه وفي تاريخ 29 كانون الأول 1947، فجّر أعضاءٌ من المنظمة الصهيونية “الإرغون” برميلاً من المتفجرات في باب العامود، وهو ما عُرِف بحادثة “قنبلة باب العامود”، والتي استُشهد فيها 14 عربيّاً وأصيب قرابة الثلاثين. وفيما كان العرب يقتفون أثر الفاعلين قام الجنود البريطانيون المرابطون في العمارة الألمانية مقابل باب العامود بإطلاق النار عليهم وقتل آخرين. وعندما نجح الفلسطينيون بالإمساك بأحد الجُناة، قام جنديٌّ بريطانيٌ بتخليصه منهم، فثارت ثائرة المتواجدين في الشارع، فقتلوا الجندي وآخر جاء لإنقاذه، كما أحرقوا سيارة يهودية جاءت لتحمي المنفّذين. وقد قاموا في ذلك اليوم بإغلاق مغارة الكتان (أو ما يُعرف “مغارة سليمان”) خوفاً من قنبلةٍ أخرى قد توضعُ فيها لمهاجمة حارة السعدية القائمة فوقها.

 

ويتذكر الفلسطينيون المناضل بهجت أبو غربية، والذي كان يدافع عن البلدة القديمة في حرب عام 1948، معتلياً ورفاقه سور القدس عند باب العامود. وتقول الرواية[11] أنه في تاربخ 15 أيار 1948 وصلهم أمرٌ خطيٌ من الرئيس فاضل رشيد من قادة جيش الإنقاذ، ووقّع على الأمر أيضاً الضابط جمال الصوفي نائب قائد الكتيبة والشيخ مصطفى السباعي، ونص الأمر على الانسحاب من مواقعهم شمال سور القدس إلى داخل السور في البلدة القديمة. لكن أبو غربية ورفاقه رفضوا تنفيذ الأمر واستمرّوا بالدفاع عن البلدة القديمة خارج باب العامود، وبذلك منعوا احتلالها في ذلك العام. وقد نظم أبو غربية قصيدةً في تلك الحادثة يقول فيها:

 

“أمروا انسحب أمروا اعتصم بالسور فوراً وانسحب

 

فرفضت أمرهم بقيت مكاني

 

لا عشت إن أخليت أرضك للعدى يا قدسنا يا أقدس البلدان

 

جيشٌ من الأردن ينجدنا متأخراً بأوامر البريطاني

 

وتظلُّ أرضي حرةً عربيةً على مدى جيلٍ من الأزمان”.

 

باب العامود اليوم

 

في الثالث من تشرين الأول عام 2015، دخل شابٌ في العشرين من العمر باب العامود باتجاه البلدة القديمة. جاء قادماً من قرية سُردا شمال رام الله. وفي طريق الواد، عند الهوسبيس النمساوي، طعن أحد المستوطنين واستولى على سلاحه وإطلاق النار على آخرين.

 

وكانت حصيلة العملية اثنين من القتلى وأربعةً من الجرحى. أطلقت قوات الاحتلال التي هُرعت إلى المكان النار على الشاب مما أدّى إلى استشهاده. كان هذا الشاب يُدعى مهند الحلبي، وقد أشعلت هذه العملية الساحة المقدسية والفلسطينية مُفجّرةً ثورة عمليات الطعن، ممّا منح لها أسماء “ثورة السكاكين” و”انتفاضة القدس”.

 

ومباشرةً بعد عملية الحلبي، تحوّل باب العامود وساحته ومدرجه كاملاً إلى ثكنة عسكرية؛ فانتشر أفراد جيش الاحتلال، وبدأ مشهد جديد من محاولات القمع والإذلال، فمنعوا الناس من الجلوس في محيط باب العامود، ومنعوا الباعة من بسط منتجاتهم في ساحته كما اعتادوا منذ الأزل.

 

وفي العاشر من تشرين الأول 2015، وبعد أسبوعٍ من العملية الأولى، طعن الشاب محمد سعيد محمد علي (19 عاماً) من مخيم شعفاط جندياً وأصاب ثلاثةً آخرين، قبل إطلاق النار عليه واستشهاده. وفي فيديو صورته كاميرات المراقبة التي نشرها الاحتلال بكثافة في محيط باب العامود، يُشاهد الجنود وهم يتقدمون إلى محمد، الذي كان جالساً على حافة المصطبة على يمين باب العامود، ويطلبون بطاقة هويته. وفيما هو يدّعي إخراج البطاقة، أخرج بدلاً منها سكيناً وهاجمهم.

 

لم ينفذ محمد عمليته في “أيّ مكان”، بل في باب العامود القريب إلى قلبه، الذي عبّر عن حبه له بطرق مختلفها، آخرها تلك العملية. في تقرير صحفي قالت والدة الشهيد محمد: “مستحيل يرجع من الشغل بدون ما يقعد بباب العامود..عشقه باب العامود، محمد كان يموت على القدس”، إذ كان محمد قبل ذهابه للعمل كل يوم يجلس في نفس المكان الذي استشهد فيه، يشرب القهوة أو الشّاي، ويدخن هو وأصدقاؤه قبل بدء يوم العمل. وبعد انتهائهم من العمل وقبل العودة إلى بيوتهم، كان محمد يعود للمكان ذاته، ويجلس مرة أخرى أمام باب العامود هو وأصدقاؤه، يأكلون “ساندوش الفلافل أو الكباب”، وحتى في الأيام التي لا يعمل فيها كان يحرص محمد على الخروج من بيته في كفر عقب إلى البلدة القديمة في القدس.

 

وتبعت هاتين العمليتين عشرات العمليات الأخرى، التي اختار منفّذوها خصيصاً باب العامود ساحةً لتنفيذها؛ تجسيداً لأهميته وكونه رمزاً للوجود والتشبُّث الفلسطيني بالقدس؛ ففيه يشعر المقدسيون وغيرهم من الفلسطينيين الذين يحظون بزيارته والجلوس على درجاته بأنهم يمارسون انتماءهم للقدس وملكيتهم لها. ونذكر أيضاً الشباب الثلاثة، أحمد ناجح أبو الرب (21 عاماً)، ومحمد أحمد كميل (20 عاماً)، والشهيد أحمد ناجح اسماعيل (22 عاماً) من قباطية قضاء جنين، والذين استشهدوا خلال تنفيذهم لعملية على مدرج باب العامود، قتلت فيها مجندة اسرائيلية. وكان بوسع الشهداء الثلاثة تنفيذ عمليّتهم في أماكن عدة أقرب إليهم من القدس، إلا أنهم اختاروا تنفيذها في القدس بالذات، وفي الحيز الأهم فيها ألا وهو باب العامود.

 

وبسبب استشهاد الكثيرين برصاص الاحتلال في ساحة باب العامود وعلى درجاته، سواءً خلال تنفيذ عملياتٍ بالفعل أو بحجّة أنهم قد حاولوا تنفيذها، أصبح المقدسيون يُطلقون على باب العامود لقب “باب الشهداء”. ويتحدث الكثيرون عن الرهبة والتوقير اللذين يشعرون بهما عندما تطأ أرجلهم هذا المكان الذي سالت فيه دماء هؤلاء الشهداء. وكتعبير عن هذه الرهبة والتوقير، نرى أمهات الشهداء عندما تتاح لهم الفرصة يقبلون الموضع الذي استشهد فيه أبناؤهم، او يسجدون فوقه، أو يتصورون عنده رافعات شارة النصر.

 

ولم تنحصر الشهادة في باب العامود على الفلسطينيين فقط، إذ استشهد فيه الشاب الأردنيّ سعيد العمرو في شهر أيلول 2016،  وقام مقدسيون – في لفتةٍ مؤثرةٍ – برشّ الورود في موضع استشهاده تحت قوس باب العامود.

 

ونهايةً، نذكّر أن نشاطاتٍ أخرى ينظّمها الفلسطينيون في باب العامود، منها الثقافية ومنها الترفيهية ومنها الدينية، يجتمع فيها الآلاف من الفلسطينيين في محيط باب العامود، ويشعر المتواجد فيها أنّ أصحاب الأرض استعادوا مدينتهم للحظة. ومن هذه النشاطات سلسلة القراءة في شهر آذار 2014 والتي نظّمها الشهيد بهاء عليان ضمن مبادرة “شباب البلد” من أبناء جبل المكبر، قبل تنفيذه عمليةً من نوعٍ آخر بعد عامٍ ونصف، استشهد هو فيها وأصيب وأُسر رفيقه بلال غانم.

 

إذاً، فباب العامود ساحة رئيسية فعليّة ورمزية لمعركة بين المستعمِر- الذي يخطّط وينفّذ بشكل متواصل هجمات على الهوية والمكان والوجود الفلسطيني في القدس، وبين أصحاب الأرض الذين يفتقرون إلى الموارد التي يتمتّع المستعمِر بها، ولكن يملكون مخزوناً لا ينضب من الإرادة والتحدي تزودهم به جذورهم التي نمت وامتدّت في تراب القدس عبر التاريخ. وهم في كل أشكال فعلهم المختلفة تلك كأنما يدكون ثغرة في سور القدس، كأنما يفتحون باباً نحو الحريّة، حتى تتجلى حقيقة أمامهم كلمات القصيدة: “لن يقفل باب مدينتنا”.

 

المصدر: باب الواد

رمضان في فلسطين – علي محمد الوشاح *

يقضي الفلسطينيون شهر رمضان المبارك بصورة تختلف تماماً عما هي عليه في سائر بلدان العالم فنفحات رمضان عكرها دخان البارود وأنين المرضى والمصابين وصراخ الجوعى وآهات اليتامى والمحرومين وزاد على ذلك أن زيارات الأقارب والأرحام هي الأخرى تقطعها حواجز الاحتلال الأمنية ، التي قطعت أوصال الأراضي الفلسطينية ،وجعلت التنقل والحركة مغامرة قد تكلف المرء حياته.

وليس هذا فحسب بل إن الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب الفلسطيني لأكثر من عشر سنوات في قطاع غزة  لا زال يلقي بظلالة على كل جوانب الحياة المعيشية للمواطن الفلسطيني موظفاً كان أو عاطلاً عن العمل ناهيك عن أن ما يز

يد عن (7000) أسرة فلسطينية في قطاع غزة تعاني من أوضاعٍ اقتصادية صعبة للغاية نتيجة الحروب الصهيونية المتكررة على القطاع.

وغير ذلك الاعتداءات الصهيونية اليومية التي يذهب ضحاياها شهداء وجرحى فلسطينيون من الأطفال والنساء والشيوخ بالإضافة إلى تشريد المئات من الأسر عبر تدمير منازلها بالكامل، الأمر الذي ضاعف من آلام ومعاناة الشعب الفلسطيني وحوّل فرحة أبنائه بقدوم شهر رمضان إلى حزن ومأتم وبدلاً من أن يستقبلونه بالزينة التي اعتادوا تعليقها كنوع من الترحيب والابتهاج بقدوم هذا الشهر صارت صور الشهداء والأسرى هي التي تزين جدران المدن والقرى والمخيمات في جميع نواحي فلسطين.

اضافة الى ما تمر به مدينة القدس من محاولات لتهويدها وطمس معالمها الاسلامية واستبدالها بأخرى يهودية ، عبر التضييق على المقدسيين في سكنهم واعمالهم ، اضافة الى آلاف الفلسطينيين الذين يقبعون خلف قضبان الاحتلال .

ان هذه المعاناة تستدعي من الامة موقفا موحدا تجاه اخوانهم في فلسطين عبر مد يد العون والاغاثة العاجلة للعمل على تثبيتهم على ارضهم في مواجهة مشاريع اقتلاعهم من قبل الصهاينة.

 

  • القائم بأعمال المدير العام