ربع قرن على وادي عربة.. إسرائيل تصعد انتهاكاتها للوصاية الأردنية على القدس

“مفتاح السلام”، هذا الوصف الذي أطلقه الموقعون على معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية لمدينة القدس المحتلة في أكتوبر/تشرين الأول 1994، لكن المدينة ومقدساتها التي نصت المعاهدة على خضوعها لإشراف الأردن عرفت فصولا لم تتوقف من الانتهاكات، ولا تزال مستمرة حتى اليوم.

وتنوعت الاعتداءات الإسرائيلية على القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية؛ من الاستيطان، إلى الاقتحامات المتواصلة من قبل المستوطنين، وإغلاق المسجد الأقصى ومنع الصلاة فيه، وأعمال الحفريات أسفل الحرم القدسي، وصولا للمخططات الساعية لتقسيمه زمانيا ومكانيا.

 

اتفاقية السلام
وتضمنت المادة التاسعة من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية المعروفة اختصارا بـ”وادي عربة”، بشأن الأماكن ذات الأهمية التاريخية والدينية، ثلاث نقاط رئيسية:

• أولا: سيمنح كل طرف الطرف الآخر حرية دخول الأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية.
• ثانيا: وبهذا الخصوص، وبما يتماشى مع إعلان واشنطن، تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن.
• ثالثا: سيقوم الطرفان بالعمل معا لتعزيز الحوار بين الأديان التوحيدية الثلاثة بهدف بناء تفاهم ديني والتزام أخلاقي وحرية العبادة والتسامح والسلام.

 

استهداف متزايد
إلا أن الجهات الأردنية الرسمية والشعبية ترصد بشكل متواصل انتهاكات الجانب الإسرائيلي لالتزاماته في المعاهدة في ما يتعلق بالقدس.

فبعد توقيعها بعامين، ارتكبت إسرائيل “مذبحة الأقصى الثانية”، بعد اندلاع انتفاضة فلسطينية في 25 سبتمبر/أيلول 1996، بعد إقدام الاحتلال على فتح نفق أسفل المسجد الأقصى، واستشهد فيها 63 فلسطينيًّا.

وبعد أربعة أعوام، اندلعت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية من وسط المسجد الأقصى بعد اقتحامه من رئيس الوزراء الأسبق أريئيل شارون، ومع بداية الألفية الثالثة سعت دولة الاحتلال إلى تكثيف مخططاتها الساعية لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود.

 

الدور الأردني
وتعتبر وزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية الأردنية الجهة المسؤولة عن ملف القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.

ويتمثل الدور الأردني بالأقصى والمقدسات في أربعة مجالات رئيسية: إدارة المسجد الأقصى ورعايته وإعماره، والمسؤولية عن توثيق وإدارة وصيانة الأوقاف الإسلامية في القدس، والقضاء الشرعي في القدس بأكمله، وتنظيم عمل الكنائس العربية والكنيسة الأرثوذكسية في القدس.

ومؤخرا برزت مخاوف أردنية وفلسطينية من سحب الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية لصالح جهات عربية.

وحول الانتهاكات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، يقول وزير الأوقاف الأردني عبد الناصر أبو البصل إن الوزارة ترصد الاعتداءات المتواصلة بحق المسجد الأقصى والمدينة المقدسة.

 

فتوى زيارة الأقصى
ويدعو أبو البصل -خلال حديثه مع الجزيرة نت- لإعادة النظر في الفتوى السابقة التي تحرّم زيارة القدس في ظل وجود الاحتلال، خاصة أن ظروف الفتوى السابقة تغيرت، واليوم الاحتلال يستغل فراغ المسجد الأقصى من المصلين والزوار من أجل تغيير الواقع هناك من خلال الاقتحامات والتقسيم الزماني والمكاني.

ويضيف الوزير أن زيارة المسجد الأقصى وعدم إفراغه من المصلين والزوار وسيلة للحد من تغول الاحتلال على المسجد، وبالتالي تفويت الفرصة على الاحتلال، مؤكدا “ضرورة دعم صمود المقدسيين والعمل على تقويتهم اقتصاديا ومجتمعيا وعلى كافة الصُعد وعدم تركهم وحدهم في وجه الاحتلال”.

وحسب الوزير أبو البصل، فإن إدارة الأوقاف الإسلامية هي الوصي الوحيد على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس شرعيا وقانونيا وتاريخيا.

ويبين أن المقدسيين والسلطات الفلسطينية أيدوا الوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى عبر السنوات، وكان آخرها عام 2013 عندما أيد الرئيس الفلسطيني محمود عباس ذلك.

 

 

سحب الوصاية
وحول محاولات بعض الجهات النيل من الوصاية الهاشمية على المقدسات، يؤكد أنه لا يمكن لأي جهة إسلامية أن تأخذ هذه الوصاية من الأردن لأنها واقع تاريخي وفعلي، ولأنها مرجع شرعي وقانوني من الناحيتين الدينية والسياسية.

ويحذر الوزير من أن تؤول الوصاية على المقدسات لغير إدارة الأوقاف الإسلامية كي لا يحدث ما لا يحمد عقباه من صراع ديني حول المسجد الأقصى، وهو ما تعمل الأوقاف عليه برفضها التقسيم المكاني والزماني للمسجد.

لكن النائب في البرلمان الأردني والخبير في شؤون القدس سعود أبو محفوظ اعتبر أن هناك “سلسلة تراجعات لوزارة الأوقاف مكنت المتطرفين الصهاينة من تصعيد التجاوزات، وتحقيق مكاسب جديدة، تجاوزوا فيه الصلاة العلنية داخل المسجد الأقصى إلى ممارسة طقوسهم وأساطيرهم التلمودية.

 

اتفاق 2015
ووقع الأردن وإسرائيل في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2015 اتفاقا فرعيا حول المسجد الأقصى برعاية أميركية، تضمن البنود المعلنة التالية:

1- تحترم “إسرائيل” “الدور الخاص” للأردن كما ورد في اتفاقية السلام بين الطرفين، و”الدور التاريخي للملك عبد الله الثاني”.

2- إسرائيل ستستمر في تطبيق سياستها الثابتة في ما يخص العبادة الدينية في المسجد الأقصى بما فيها الحقيقة الأساسية بأن “المسلمين هم من يصلون”، وبأن “غير المسلمين هم من يزورون”.
3- إسرائيل ترفض تقسيم المسجد الأقصى، وترفض أي محاولة للقول بغير ذلك.
4- إسرائيل ترحب بالتنسيق المتزايد بين السلطات الإسرائيلية وإدارة الأوقاف، بما في ذلك “التأكد من أن الزوار والعبّاد يبدون الانضباط ويحترمون قداسة المكان انطلاقًا من مسؤوليات كلٍّ منهم”.
5- موافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على اقتراح الأردن “بتوفير” تغطية مصورة على مدار 24 ساعة لكل المواقع داخل المسجد الأقصى، مما يوفر سجلاً “شاملاً وشفافاً” لما يحصل فيه، وهذا قد يثبط كل من يحاول تشويه قداسة المكان.

 

المنعطف الأخطر
وكشف تقرير لمؤسسة القدس الدولية عن أن عام 2010 يعد “المنعطف الأخطر نحو شروع اليهود في بناء المعالم اليهودية الضخمة في محيط الأقصى”، حيث افتتح كنيس الخراب، وهو أكبر كنيس في البلدة القديمة، ولا يبعد غير أمتار قليلة عن المسجد”.

ويقول الخبير في شؤون القدس زياد بحيص “العدوان الواسع على القدس عنوانه العريض السيطرة على الأرض والإحلال الديموغرافي والتهويد الديني والثقافي للمدينة”.

ويضيف بحيص للجزيرة نت أن مشروع تهويد الأقصى تقوم عليه كتلة نشطة من المتطرفين الصهاينة، يصطلح على تسميتها “جماعات الهيكل”، وشهدت الكتلة تصاعدا تدريجيا في نفوذها البرلماني من نائبين عام 2003 إلى 17 نائبا في الكنيست الحالي، ومن انعدام الوزن الحكومي إلى أن تمتلك اليوم 14 وزيرا في حكومة تسيير الأعمال الحالية التي يقودها بنيامين نتنياهو.

“ومع صعودها، تبنت مشروع التقسيم الزماني والمكاني باعتباره المشروع المرحلي الذي يتناسب مع الواقع الذي وجدته، لكنها ما تزال تتطلع في النهاية إلى الإحلال التام للهيكل مكان الأقصى”، وفق حديث بحيص.

 

تراجع الدور الأردني
ويتحدث بحيص عن تراجع شكّلته اتفاقية “وادي عربة ” في تعريف الدور الأردني، إذ يفصلها على جبهتين: الأولى أنها نصت على أن “إسرائيل ستعطي أولوية عالية للدور التاريخي الأردني في الأماكن المقدسة”، وذلك في أي اتفاق نهائي، فجعلت الاتفاقية كيان الاحتلال في موقع الأصيل الذي يقرر الأدوار.

أما التراجع الثاني -حسب بحيص- فكان تحجيم تلك المجالات الأربعة لتتعلق بالأماكن المقدسة فقط، بعد أن كانت تشمل النقاط الأربع.

وحول محاولات سحب الولاية على المقدسات في القدس من الأردن، فيرى بحيص أن الدور الأردني في القدس والمقدسات ليس منحةً من أحد حتى يُسحب، فهو دور نشأ عبر تطورات تاريخية فرضته كأمر واقع.

ويتابع أن “محاولات استبداله لا تعدو كونها مناورات مضرة، فإذا كانت وقائع احتلال القدس تاريخيا قد جعلت الدور الأردني في المقدسات حاضرا باعتباره أمرًا واقعًا، فأي دورٍ آخر لن يتمتع بهذه الخصوصية، وسيكون مشروطًا بالموافقة الصهيونية، وبالتالي فإن أي طرح لاستبدال الدور الأردني بدورٍ تركي أو سعودي أو غيره سيعزز القبضة الإسرائيلية على المقدسات”.

ووسط المحاولات الإسرائيلية الحثيثة لتغيير الواقع في القدس، يستمر الأردن في ضغوطه لمنع أي مساس بالوضع في المدينة والمقدسات فيها، لكن هذا الفعل الأردني الرسمي المسنود شعبيا وفلسطينيا يواجه اليوم بمحاولات من جهات عربية للدخول على ملف القدس، وسط صمت يفسره مراقبون بأنه تعبير عن “رضى” إسرائيلي.

المصدر : الجزيرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *