مع تفشي فايروس الكورونا، اتخذت المساجد والمراكز الدعوية والدينية في العالم بعض الإجراءات الوقائية حفاظًا على سلامة المصلين من خطر الفايروس الذي ينتقل من خلال اللمس أو الاحتكاك المباشر مع أي شخص مصاب، وحق كل مسجد في أي منطقة أو دولة ما، أن تتخذ الإجراء المناسب وفقًا لوضع البلد وحجم تفشي الفايروس واستنادًا إلى وزارة الصحة والجهة الدينية المسؤولة.
في فلسطين وبالتحديد في المسجد الأقصى المبارك في مدينة القدس المحتلة، يحاول الاحتلال الإسرائيلي استغلال كل حدث محلي أو دولي لصالح مشروعه التهويدي الاستيطاني التوسعي، ويسعى دائمًا لفرض سيطرته الأمنية والإدارية على كامل المسجد الأقصى المبارك والتحكم بأعداد المصلين والمرابطين في المسجد، فيما يسعى بكل فرصة إلى فسح المجال أمام أكبر عدد ممكن من المستوطنين لاقتحام المسجد المبارك.
هنا يتجلى الصراع في محاولة الاحتلال للتحكم بمفاصل المسجد وأوقات فتحه وإغلاقه أمام المصلين والعابدين، وفي كل محاولة يرد المقدسيون بقوة وصلابة ينتزعون منه هذا الحلم بمخالبهم وكل السبل المتاحة أمامهم، وما انتصار المقدسيين في هبتي باب الرحمة وباب الأسباط خلال عامي 2017 و 2019 إلا الدليل القوي الواضح على ذلك.
في هذه الأيام يحاول الاحتلال الإسرائيلي من جديد إصدار إغلاق المسجد الأقصى المبارك تخوفًا من تفشي فايروس الكورونا كما يزعم، فيما فتح باب الاقتحام على مصراعيه أمام المستوطنين اليهود دون الخشية من انتشار هذا الفايروس.
دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية في القدس المحتلة -الجهة الرسمية الوحيدة التي لها حق اتخاذ أي قرار يتعلق بالمسجد الأقصى– كانت قد أصدرت بعض التوجيهات الوقائية للمصلين والمرابطين في الأقصى، وقال مدير المسجد الأقصى الشيخ عمر الكسواني “ان دائرة الأوقاف الإسلامية قررت إغلاق المصليات المسقوفة داخل المسجد الأقصى المبارك كإجراء وقائي من منع انتشار فايروس “كورونا”،.
وأضاف:” إن جميع الصلوات ستقام في ساحات المسجد الأقصى المبارك، مؤكداً أن جميع أبواب الأقصى ستبقى مفتوحة أمام المصلين”.
و أكد بيان لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس المحتلة إغلاق المساجد المسقوفة في الأقصى والاكتفاء بالصلاة خلف الإمام في صفوف متفرقة ومتباعدة داخل ساحات المسجد الأقصى المبارك، وجاء فيه:” نطمئن جميع المقدسيين بأن الأذان والصلاة لن ينقطعان في المسجد الأقصى من قبل أئمة المسجد وموظفي الأوقاف وحرس المسجد الأقصى بإذن الله بما في ذلك صلاة الجمعة، ولن يخلوا المسجد من إمام ومؤذن وأربعين رجلا يقيمون الصلاة وهو العدد الذي تصح به صلاة الجمعة عند الفقهاء”.
في المسجد الأقصى المبارك، لا يمكن النظر إلى خطر فايروس كورونا فحسب، وإنما ضرورة التنبه لخطر مشروع الاحتلال الذي يمكن أن يتفشى في أي لحظة يستغلها الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، فصباح يوم الإثنين أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عددًا من أبواب المسجد الأقصى المبارك بزعم مواجهة تفشي فايروس كورونا، وأبقت باب المغاربة مفتوحًا أمام المستوطنين اليهود لاقتحامه، لكن سرعان ما أعاد حراس المسجد الأقصى المبارك فتح كافة أبواب المسجد أمام المصلين العابدين، مع الأخذ بعين الاعتبار الإجراءات الوقائية المتعارف عليها وبعض الإجراءات الأخرى التي قررتها إدارة الأوقاف والشؤون الدينية في القدس المحتلة.
بدوره، اعتبر الشيخ ناجح بكيرات نائب المدير العام لأوقاف القدس أن إغلاق شرطة الاحتلال لبعض أبواب الأقصى هي محاولة من الاحتلال لاستغلال موضوع الفيروس من أجل تشديد إجراءاتها على الأقصى والمصلين.
وأضاف “الأجدر بها أن تترك الأبواب مفتوحة للمسلمين الذي يتخذون أقصى درجات الحيطة والحذر للحفاظ على مسجدهم وأنفسهم من انتشار الوباء، وإغلاق باب المغاربة في وجه المتطرفين والسياح للحفاظ على المكان.. نحن طالبنا كأوقاف بذلك، لكن الشرطة لا تلتفت إلى مطالبنا”.
من جهته، قال الباحث المتخصص في شؤون القدس زياد ابحيص:” ما فعلته سلطات الاحتلال صباح الإثنين هذا يعيدنا إلى الحقيقة المركزية المستجدة أن تهويد المسجد الأقصى المبارك وتقسيمه بات في قلب أهداف حكومة الاحتلال منذ وصول جماعات الهيكل إلى مستوى النفوذ الحكومي عام 2013 برعاية ودعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو“.
ودعا ابحيص إلى على عدم التعامل مع المسجد الأقصى كأي مسجد في عاصمة عربية، لأن في الأقصى صراعا آخر أطول وأكثر أهمية مع احتلال إحلالي يتطلع إلى أي سانحة لتهويده وتقسيمه، ولا يمكن أمام ذلك إخلاء الأقصى لحماية المصلين بينما يجول فيه المقتحمون والسياح الأجانب تحت إشراف شرطة الاحتلال.
وختم ابحيص بالقول “إننا أمام تحد كبير لا يمكن فيه السماح بأن يتحول الأقصى إلى بؤرة عدوى، ولا يمكن في الوقت ذاته السماح بأن يترك الأقصى لتستفرد به الشرطة والمقتحمون.. والوعي والإرادة قادران على مغالبة التحديين معا، وهذا ما حققه المقدسيون في أكثر من محطة سابقا”.