“الحمد لله خلصنا جهازك بدي اياك تكوني أجمل عروس وترفعي راسك قدام عيلة زوجك”.. كان هذا آخر ما دار بين (أم شيماء) الحويطي وابنتها العروس من حوار في أخر ليلة قضيناها في منزلهما بجوار شنطة جهاز العروس شيماء والتي من المفترض أن تزف لعريسها الجمعة القادمة.
ولطالما حلمت الوالدة باليوم الذي ستشاهد فيه ابنتها بين أركان منزلها برفقة شريك حياتها وتجهيزها بأفضل ما يكون، فلا تكاد تترك ساعة من الوقت تمر عليهما دون تذكير شيماء بما ينقصها من أغراض جهازها الذي دارت على أقدامها فرحة بين أسواق غزة لشراء أجمل ما تراه عينيها لها منذ أربعين يوما من بداية خطوبتها.
ولكن برمشة عين انهارت أحلام شيماء بعدما قامت طائرات الاحتلال الاسرائيلي قضف عمارة حسونة السكنية التي تقطن فيه عائلتها وسوتها بالأرض ولم يتبق منها سوى رائحة بالبارود تعبث بالمكان، وذهب جهاز العروس مع الريح.
وتقول والدة شيماء بينما كانت تبحث عما تبقى لابنتا من بقايا أغراض تجمعها من تحت الأنقاض والدموع تملأ مقلتيها حسرة وألما في حديثها لـ “شبكة قدس”: “كسروا فرحة بنتي ودمروا أمنياتها لا يوجد شي في المنزل سليما كله مدم، أحاول أن أجد حتى لو قطعة قماش من أغراض شيماء لعلي أطفأ جزءا من النار المشتعلة بقلبها ولعا على مقتنياتها.
وتضيف: “قضينا وابنتي أياما وليالي في تجهيز صيغتها وملابسها وأجزاء من أثاث شقتها الجديدة وقمت بتجميعها كلها في شنط ووضعها في غرفة مقفلة حتى لا يعبث بها أحد خوفا من ضياع أي شيء منها، ولم يكن في حسباني أن صواريخ الاحتلال الإسرائيلي ستقضي عليها كلها ولن تترك منها سوى الحسرى.
وفقدت والدة شيماء عددا من أشقائها الذين استشهدوا بفعل الحروب على غزة كما تعرضت عائلتها لأكثر من مرة للاعتقال على أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي.
تبددت أمنيات أم شيماء مأساة ومعنا كبيرة وسط تساؤلات كثيرة دارت على لسانها فلم تتوقف عن قول “من أي بيت سأخرج بنتي إلى زوجها بعدما ذهب منزلنا”.
وشنت طائرات الاحتلال الاسرائيلي أكثر من 50 غارة جوية استهدفت خمسة مباني سكنية مأهولة بساكنيها لم تلحق بهم أضرار جسمية بل نفسية ومادية كبيرة، وطال الاستهداف مواقع عسكرية ومسجد، ملعب رياضي، أراضي زراعية فارغة وجاء ذلك بزعم الرد على صاروخ سقط شمال مدينة “تل أبيب”.
ورغم تعدد أوجه المعاناة التي عاشها الغزيين بعد قضائهم ليلة ساخنة أشعلتها صواريخ نيران صواريخ الاحتلال الاسرائيلي إلا أن همهم تجسد في مشهد واحد وهو الدمار.
بين أكوام الحجارة جلس الشاب وليد الشوا 26 عاما لم يصدق ما تشاهده عيناه من ركام حتى أجهش باكيا على ما حدث له، فسنوات عمره التي قضاها بشقاء في العمل حتى يدخر الأموال لشراء أثاث منزله يضمه برفقة عروسته أعدمت.
وتحول المنزل الذي كان يأويه الى دمار، يقول وليد: “منذ كان عمري 16 عام بدأت بالعمل وضعت القرش فوق القرش حتى يأتي وقت زواجي وبالفعل هذا ما حدث وقمت بشراء جميع أغراض المنزل من أثاث، أجهزة كهربائية، ملابس تحضيرا لزواجي والآن لا يوجد شيء منها”.
ويروي ما حدث منتصف الليل خرجت من المنزل الذي أسكن فيه مع شقيقتي وزوجها على أمل العودة له بعد ساعات قليلة حتى تهدأ الأوضاع الأمنية وذلك خوفا على الأطفال، ولم نبعد سوا خطوات ع المنزل وسمعنا صوت قصف عنيف بالتزامن معه جاءنا اتصال من أحد الجيران مفاده أن المنزل قصف، لم أصدق توجهت مسرعا ولم أكترث للقصف فوق رؤوسنا لكن منعني جارنا من الاقتراب وانتظرت على أحر من الجمر ساعات الصباح وعدت للمنزل فوجدته ركاما، ما حدث بالفعل جحيم لا يصدق.
وفي نفس الليلة عاش محمد الغزالي لحظات رعب حقيقية بعدما جاء اتصال لهاتفه النقال من أحد الجنود الاستخباراتية مفاده أنه لن يملك سوى خمسة دقائق فقط لإخلاء المنزل تمهيدا لقصفه وإلا سيهدم على رأس ساكنيه.
فلم يكن وقعها عاديا على مسامعه رغم أنه حاول في بادئة الأمر أن يستفسر منه عن سبب القصف فهو يعيش في عمارة سكنية ممتلئة بالمدنيين العزل، ولكن على ما يبدو أن اسرائيل لا تفهم هذه الصيغة، حتى أخبره بلهجة صوت مرتفعة اذهب أخبر أشقائك وأعمامك في العمارة لا وقت لديكم وإلا ستقتلون جميعكم.
وعاش محمد تلك اللحظة صراعا من الزمن بدأ بإخبار أولاده وزوجته ثم انتقل بسرعة البرق متنقلا بين الشقق السكنية في العمارة واخبارهم بالخبر المر، حتى هلعوا بالهروب مسرعين، وسط صراخ النساء وبكاء الأطفال دون أن يحملوا معهم أي من أوراقهم الثبوتية أو أغراض أبنائهم وحاجياتهم المدرسية.
وفي ظرف زمن لا يتعدى الثواني قصفت العمارة وتحولت معالم المبني السكني التي كانت تضج بالضوضاء وأصوات لعب الأطفال أمامها وحركة المحلات التجارية إلى صمت مطبق وركام وباتوا دون مأوى.
يوضح محمد قائلا: “لا مأوى لدينا بعد الآن ولم تكن العمارة مجرد شقق سكنية بل كانت ممتلئة بالمحلات التجارية واصطفاف الباعة المتجولين أمامها بشكل يومي، الكارثة حلت على الجميع دون استثناء”.
وبين أنّ جميع من في العمارة المقصوفة يعيشون أوضاع اقتصادية قاسية ولن يتمكن أي أحد هم من السكن بالإيجار ودفع ثمنه، فلا خيار آخر أمامهم سوى نصب خيمة أمام المبنى المدمر والعيش فيها.
نقلا عن شبكة قدس الإخبارية